قالت الصين على لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها يوم 2024/8/21: “في السنوات الأخيرة تقوم أمريكا بترويج مستمر لرواية التهديد النووي الصيني التي تستخدمها كذريعة للتهرب من التزاماتها الخاصة في مجال نزع السلاح النووي وهي أكبر مصدر للمخاطر النووية في العالم”. ويؤكد ذلك ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز أن “بايدن وافق في آذار 2024 على خطة استراتيجية نووية سرية تركز على ترسانة الصين سريعة النمو، وتهدف أيضا إلى تجهيز أمريكا لتحديات نووية منسقة محتملة من الصين وروسيا وكوريا الشمالية”.
معنى ذلك أن أمريكا ترى أن هذه الدول الثلاث تشكل تحديا جادا لها بسبب امتلاكها مجتمعة أسلحة نووية تعادل أسلحتها أو تتفوق عليها، وإن لم تشكل هذه الدول حلفا إلا أن تقاربها وتعاونها معا يثير مخاوفها، فهي ترى أمريكا عدوا مشتركا لها، لذا تؤلب أمريكا دول العالم عليها وتشكل تحالفات ثنائية وثلاثية ورباعية حولها بجانب الناتو الذي تقوده.
فأمريكا تمتلك 5428 رأسا نوويا، بينما تمتلك روسيا 5997 رأسا نوويا وتمتلك كوريا الشمالية نحو 50 رأسا نوويا (الحرة 2024/3/14). وذكر تقرير للبنتاغون يوم 2023/10/20 أن “الصين تطور ترسانتها النووية بوتيرة أسرع مما توقعته أمريكا. فلدى الصين أكثر من 500 رأس نووي جاهز للاستخدام، وهي بصدد امتلاك أكثر من 1000 رأس على الأرجح بحلول عام 2030”. وقال مسؤول كبير في البنتاغون “إن الصين تتوسع وتستثمر في منصات إطلاق الأسلحة النووية البرية والبحرية والجوية بالإضافة إلى البنية التحتية المطلوبة لدعم التوسع الكبير”. و”إن البحرية الصينية هي الكبرى في العالم من حيث عدد السفن؛ فلديها 370 سفينة وغواصة. وارتفع الإنفاق الحربي الصيني عام 2023 بنسبة 7,2% إلى حوالي 212 مليار دولار”. وأوصت لجنة النواب الأمريكيين بتطوير الترسانة النووية الأمريكية كما ونوعا على حد سواء لمواجهة روسيا والصين. (الحرة 2023/10/20)
فمهما كان هناك فارق في العدد فإنه ليس مهما، وإنما المهم هو الحصول على قدرات نووية نوعية متطورة جاهزة وقادرة على أن تضرب أهدافا أمريكية وتصيبها بأذى بليغ. ولهذا تتخوف أمريكا من ترسانة الصين النووية التي تتطور سريعا، فتريد أن تراقبها وتحتويها، فتقوم بالترويج للتهديد النووي الصيني وتضغط بقوة لتجعلها تقبل بعقد اجتماعات بين القادة العسكريين وزيارات للمواقع العسكرية. وفي الوقت نفسه تعقد اتفاقيات أمنية مع الدول ذات الاهتمام بالتهديد الصيني من دول المنطقة ومن غيرها، وتجري مناورات واسعة بشكل دائم مع هذه الدول في بحر الصين الجنوبي، وآخرها التي بدأتها مع إندونيسيا ودول أخرى منذ يوم 2024/8/26 وتستمر مدة أسبوعين.
وقد أعرب الرئيس الأمريكي بايدن عن سعادته لتوصله إلى اتفاق مع نظيره الصيني شي أثناء اجتماعهما في سان فرانسيسكو يوم 2023/11/16 يتضمن “الاتصال الصريح والواضح والمباشر مع الصين في المجال العسكري”. فأمريكا تحرص على إقامة اتصالات عسكرية مع الصين بهدف التجسس على مدى تقدمها العسكري، وتحاول إقناعها بعقد اتفاق للحد من تطور الأسلحة النووية، ومن أجل إغرائها تعمل على توثيق علاقاتها معها في المجالات الأخرى، ولتحول دون تحالفها مع روسيا وإمدادها بالأسلحة اللازمة للحرب في أوكرانيا، ولتجعلها تضغط على كوريا الشمالية للتوصل إلى اتفاق معها حول برنامجها النووي.
ونتيجة لذلك حصل اجتماع بين وزيري دفاع البلدين أوستن ودونغ في سنغافورة يوم 2024/5/31 بعد إلحاح أمريكي وانقطاع دام سنة ونصف منذ أول اجتماع بينهما. ولهذا قامت وزيرة الخزانة الأمريكية يلين بزيارة للصين يوم 2024/4/4 استغرقت 4 أيام لتليين موقف الصين فاجتمعت مع العديد من مسؤوليها، وتبعها وزير الخارجية بلينكن يوم 2024/4/24 بثاني زيارة للصين خلال سنة.
ولتكثيف الاتصالات قام مستشار الأمن القومي الأمريكي سوليفان يوم 2024/8/27 بزيارة إلى الصين استغرقت 3 أيام التقى رئيسها ووزير خارجيتها ومسؤولين كباراً في الدفاع. وذكر تقرير أمريكي أن سوليفان “يسعى إلى ترقية المحادثات العسكرية الأمريكية والصينية إلى مستوى القيادة، وأبدت الصين غضبها بعد إعلان وزارة التجارة الأمريكية يوم 2024/8/24 فرض عقوبات على 105 كيانات صينية وروسية اعتراضا على التعاون الصيني مع روسيا في تعزيز إنتاجها الدفاعي وتقوية قاعدتها العسكرية الصينية ومساعدة روسيا في التهرب من العقوبات”. وذكر سوليفان للرئيس الصيني شي أن “الرئيس بايدن يتطلع للتواصل معكم مجددا في الأسابيع المقبلة”. فيبدو أنه يسعى لإظهار نجاحات لإدارة الديمقراطيين لتعزيز فرص فوزهم في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في تشرين الثاني القادم. وأكد شي أن “التزام بكين بعلاقات جيدة مع واشنطن لم يتغير”. والتقى مع تشانغ نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية في مقر القيادة العسكرية المركزية فقال سوليفان “من النادر أن تتاح لنا الفرصة لمثل هذا اللقاء”، مشيرا إلى رغبة الأمريكيين لعقد اجتماعات في المراكز العسكرية الصينية.
وفي اجتماع وزير خارجية الصين وانغ يي مع سوليفان قال “يتعين على الولايات المتحدة التوقف عن كبح الصين في مجالات الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا والتوقف عن الإضرار بمصالحها المشروعة”، وأكد أن “الصين تحمي سيادتها الإقليمية وحقوقها البحرية ومصالحها في بحر الصين الجنوبي، وأن على أمريكا ألا تستخدم المعاهدات الثنائية كذريعة للإضرار بسيادة الصين وسلامة أراضيها، كما ينبغي ألا تدعم الفلبين أو تتغاضى عنها في ارتكاب انتهاكات”، بينما قال سوليفان “أمريكا ليست لديها نية للانفصال عن الصين وتلتزم أيضا بسياسة الصين الواحدة”.
وانتقدت الصين على لسان المتحدث باسم خارجيتها “استراتيجية أمريكا في محاولات قمع واحتواء ضد بكين واستخدام العقوبات أحادية الجانب التي تقوض النظام التجاري والدولي وتؤثر على أمن واستقرار الصناعة والتوريد العالمية، وطالب أمريكا بالتوقف عن تسييس القضايا الاقتصادية والتجارية وإضفاء طابع أمني عليها”.
فالصين واضحة في انتقاداتها لأمريكا وتدرك ما تخططه ضدها وما تريده منها، وهي تقاوم كل ذلك، وفي الوقت نفسه تحرص على إقامة علاقات جيدة معها لتحقيق مصالحها، ولكن هذا يبقيها على حالها كدولة إقليمية كبرى وفي حالة دفاع مهما امتلكت من قدرات نووية. فإذا لم تعمل على تسخير قواها النووية وغيرها للتأثير على أمريكا ومزاحمتها على مركزها كدولة أولى في العالم، لتصبح دولة كبرى عالميا، فستبقى محصورة بمنطقتها، وأمريكا تعمل على ذلك.
ومهما يكن، فإن قوى الشر تستمر في التآمر بعضها ضد بعض، ولا يهمنا أمرها إلا بقدر ما يلزمنا لندرك قدراتها وسياساتها وأساليبها حتى نتقي شرها، ونحن نعمل على إقامة دولة الخير؛ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة لتسقط هذه القوى وتنشر الهدى والخير في ربوع العالم.
بقلم: الأستاذ أسعد منصور
2024-09-18
المصدر: جريدة الراية
Comments are closed.